سورة مريم - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


انتبذتْ: اعتزلت. مكاناً شرقيا: شرقي بيتَ لحم، وذلك في الغور لأنه المكان الوحيد في بلادنا الذي يثمر فيه النخل. روحنا: جبريل. بشَرا سويا: رجلا كامل الخلقة. أعوذُ: أَعتصم والتجئ. تقيا: مطيعا. لأهَبَ: لأكون سببا في هبته لك. زكريا: طاهرا. أنَّى يكون لي غلام: كيف يكون لي غلام. آية: علامة على قدرة الخالق. مقضيّا: محتوما.
بعد أن ذكر الله قصة زكريا واستجابة دعائه، ويحيى الذي اوجده الله من شيخين فانيين- ثنى بقصة عيسى لأنها اغرب من ذلك. وقد فتنت قصة عيسى عليه السلام كثير من البشر حتى تصوروه إلهاً، ونسجوا حوله كثيرا من الخرافات والاساطير، فجاء القرآن الكريم يقص كيف وقعت هذه القصة العجيبة، ويبرز دلالتها الحقيقية، وينفي تلك الخرافات والاساطير.
واذكر ايها الرسول ما في القرآن من قصة مريم حين اعتزلت عن اهلها في مكان شرقيّ بيت لحم والقدس حيث كانوا يقيمون. وضربت بينها وبينهم حجابا. فارسلنا اليها جبريل في صورة إنسان معتدل الخلق، فلما رأته مريم فزعت منه وقالت: اني استجير بالرحمن منك ان كنت تتقي الله وتخشاه.
فقال جبريل مجيباً لها ومزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها: لا تخافي اني رسول من ربك لاكون سببا في ان يهب الله لك غلاما طاهرا مبرأ من العيوب.
فعجبت مريم مما سمعت وقالت لجبريل: كيف يكون لي غلام، ولست بذات زوج، ولم يقربني إنسان ولست من أهل الفجور؟.
فقال لها الروح الامين: إن الله قد قال: إن هذا الأمر عليه هين، وان اسباب الولادة لا تنحصر عند الله بما هو المعتاد من زوجين، فانه كما اوجد آدم من غير اب وأم، واوجد هذا الكون من العدم- فانه يهب لك الغلام من غير اب {إِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 47]. وقد نفخ جبريل في قميصها فكانت تلك النفخة سببا للحمل، كما في قوله تعالى: {والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا} [الأنبياء: 91]. وفي سورة التحريم الآية 12 {وَمَرْيَمَ ابنة عِمْرَانَ التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} وقد قدرنا ذلك لنجعلَ خلقه برهانا على قدرتنا كما يكون رحمة لمن يهتدي به، وكان خلق عيسى محتوما.
قراءات:
قرأ أبو عمرو ونافع: {ليهب لك} بالياء. والباقون: {لأهب لك} كما هو في المصحف.


قصيا: بعيداً عن اهلها في غور الاردن. فأجاءها المخاضُ: فألجأها الطلب. نسيا منسيّا: نسياً بفتح النون وكسرِها، الشيء الذي لا قيمة له فيظلّ منسيا لا يذكر. سريّا: شريفا. رُطبا جنيا: الرطَب، هو ثمر النخل إذا ادرك ونضج قبل ان يصير تمرا. جنيا: صالحا للقطف. نذرتُ للرحمن صوما: يعني صوما عن الكلام.
وتحققت ارادة الله تعالى، وحملت مريم بعيسى، وذهبت بحملها إلى المكان البعيد عن الناس.. إلى غور الاردن، لأنه هو المكان الذي يوجد فيه النخل وهو المكان الشرقي البعيد وكان مأهولا من بعض المتعبدين. وكون الوقت فيه رطب يعيِّين ان يكون وقت الولادة في الصيف، لا في الشتاء كما يقرر النصارى الذين يوقتون الميلاد في الشتاء.
فالجأها ألم الولادة والطلق إلى جذع النخلة لتستند اليه وتستتر به، وتمنت لو انها كانت ماتت قبل هذا الوقت الذي لقيت فيه ما لقيت، حياء من الناس وخوفا من لومهم، وكان شيئا منسيا. لان الناس لا يعرفون الحقائق ولا يعذرون.
فناداها عيسى من تحتها، حيث انطقه الله. وتلك أيضا من المعجزات: لا تحزني بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومن الألم، ومما يقوله الناس، فقد جعل ربك تحتك انسانا شريفا رفيع القدر والشأن.
يفسر بعض المفسرين: سريا بمعنى الجدول أو النهر، وان المنادى جبريل، فكيف يكون جبريل تحتها؟..
{وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً}.
وهزي النخلة يتساقط عليك الرطب الطيب، والرطب فيه الغذاء الكافي، ويعيش عليه خلق كثير.
ويقول بعض المفسرين ان الوقت لم يكن صيفاً، واللهُ أحيا تلك النخلة وجعل فيها الرطب.. وهذا كلام ليس عليه دليل.
فكلي من ذلك الرطب، واشربي من الماء عندك وطيبي نفسا، فان رأيتِ احدا من البشر ينكر عليك امرك، فأفهميه بانك نذرت لله الصوم عن الكلام وأنك لا تكلمين اليوم احدا.
قراءات:
قرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وأبو بكر: {يا ليتني مت} بضم الميم، والباقون: {مت} بكسر الميم. فهما لغتان.
قرأ حمزة وحفص: {نسيا} بفتح النون، والباقون: {نسيا} بكسر النون وهما لغتان. قرأ حفص وحمزة والكسائي ونافع: {مِن تحتها} من حرف جر وكسر تحتها، كما هو في المصحف، والباقون: {من تحتها}. بفتح ميم {من} و{تحتها} بفتح التاء. قرأ حفص: {تساقط} بضم التاء وكسر القاف. وقرأ حمزة: {تساقط} بفتح التاء والسين بدون تشديد. وقرأ أبو عمر وابن عامر والكسائي وأبو بكر: {تساقط} بفتح التاء والسين المشددة. وقرأ يعقوب: {يساقط} بضم الياء والجميع باسكان الطاء جواب الامر.


فريا: عجيبا، مختلقا. يا اختَ هارون: يا شبيهة هارون في التقوى والصلاح. المهد: الموضع يهيَّأ للصبي. الكتاب: الإنجيل. يمترون: يشكّون يوتنازعون.
بعد أن وضعتْ مريم وليدها أقبلت على أهلِها تحمل عيسى، فقالوا لها مستنكرين: يا مريم، لقد جئتِ أمراً عظيماً منكَرا!!. يا أخت هارون، يا من انتِ شبيهةٌ بهارونَ النبيّ في التقوى والصلاح، كيف يصدر عنكِ هذا العمل المنكر، وما كان أبوك بالفاجر، ولم تكن أُمك من البغايا! فمِن أين لك هذا الولد؟
روى أحمدُ ومسلم والترمذي والنَّسائي وعبد بن حميد وغيرُهم عن المغيرة بن شعبة قال: «بعثني رسولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجرانَ فقالوا: أرأيتَ ما تقرأون: {ياأخت هَارُونَ} وموسى وهارون قبل عيسى بزمنٍ بعيد. قال فرجعتُ، فذكرت ذلك لرسول الله فقال: ألا اخبرِّكم أنهم كانوا يُسَمَّون بالأنبياء والصالحين قبلهم! يعني يُشَبَّهون بهم».
وفي دائرة المعارف البريطانية: إن القرآن غَلطَ تاريخياً حين قال: {ياأخت هَارُونَ} في سورة مريم مع أن بينَ مريمَ وهارونَ أخِ موسى مئاتِ السنين.
وهذا طبعا من الافتراءات المبنيّة على الجهل الفاضح، والحديثُ المذكور يفسّر ذلك.
{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ....}.
فأشارت إلى ولدها عيسى ليكلموه، فقالوا: كيف نكلم طفلا لا يزال في المهد، وهم يظنون انها تزدري بهم. فلما سمع عيسى كلامهم أنطقه الله: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الكتاب وَجَعَلَنِي نَبِيّاً}.
يعني انه سيؤتيه الإنجيل، ويجعله نبيّا، ويكون مباركاً في كل أوقاته، وأين ما كان، معلّماً للخير، وأوصاني بالصلاة وأداء الزكاة مدةَ حياتي، كما أمرني ان اكون بارّا بوالدتي مطيعا محسناً لها ولم يجعلْني متجبّرا في الناس ولا شقيّا بمعصيته.
{والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً}.
وهذه الآية مثلُ الآية التي وردت في يحيى في نفس السورة رقم 15.
ذلك الذي ذُكرت مناقبه واوصافه هو عيسى بن مريم، وهذا هو القول الحق في شأنه الذي يجادل فيه المبطلون، ويشك في امر نبوته الشاكّون، لا ما يقوله الذين ألّهوهُ، أو المتهمون لأمه في مولده.
{مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ...}.
تعالى الله وتنزَّهَ عن ان يتخذ ولدا. والولد إنما يتخذه الفانُونَ والضِعاف، واللهُ باقٍ قادر لا يحتاج مُعينا. والكائنات كلّها توجد بكلمة منه، فهو إذا قضى أمراً من الأمور نفذت إرادته بكلمة- فما يريد تحقيقه يحققه بتوجُّهِ الإرادة لا بالولد المعين.
جاء ذكر عيسى بلفظ المسيح تارةً وبلفظ عيسى بن مريم في القرآن في ثلاثَ عشرةَ سورة، وفي ثلاثٍ وثلاثين آية منه.
قراءات:
قرأ الكسائي: {آتاني...واوصاني} بالامالة. وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب: {قول الحق}، بنصب قول على انه مصدر. والباقون: {قولُ الحق} على انه خبر المبتدأ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5